فصل: كِتَابُ الْوَقْفِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري ***


كِتَابُ الْوَقْفِ

الْوَقْفُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْحَبْسُ يُقَالُ وَقَفْت الدَّابَّةَ وَأَوْقَفْتهَا أَيْ حَبَسْتهَا وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ حَبْسِ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ حَبْسِ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ تَصِلُ الْمَنْفَعَةُ إلَى الْعِبَادِ فَيَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَلْزَمُ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُرْهَنُ وَلَا يُورَثُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ‏)‏ يَعْنِي الْمَوْلَى أَمَّا الْمُحَكَّمُ فَفِيهِ خِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَطَرِيقُ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَاقِفُ مَا وَقَفَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ مُحْتَجًّا بِعَدَمِ اللُّزُومِ فَيَتَخَاصَمَانِ إلَى الْقَاضِي فَيَقْضِيَ بِلُزُومِهِ، وَكَذَا إذَا أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُمْ فَإِذَا رَضُوا بِزَوَالِ مِلْكِهِمْ جَازَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ قَوْلُهُ ‏(‏أَوْ يُعَلِّقَهُ بِمَوْتِهِ فَيَقُولُ إذَا مِتّ فَقَدْ وَقَفْت دَارٍ عَلَى كَذَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ فَكَانَ مِنْ الثُّلُثِ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ فِي الْمَرَضِ قَوْلُهُ ‏(‏وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَزُولُ الْمِلْكُ حَتَّى يَجْعَلَ لِلْوَقْفِ وَلِيًّا وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ‏)‏؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْوَقْفِ عِنْدَهُ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فِي حَالِ الْحَيَاةِ كَالْهِبَةِ وَإِذَا اُعْتُبِرَ فِيهِ الْقَبْضُ أَقَامَ إنْسَانًا يَتَوَلَّى ذَلِكَ لِيَصِحَّ ثُمَّ إذَا جَعَلَ لَهُ وَلِيًّا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ هَلْ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ

إنْ كَانَ شَرَطَ فِي الْوَقْفِ عَزْلَ الْقُوَّامِ وَالِاسْتِبْدَالَ بِهِمْ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ لَا يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا عَزَلَهُ فِي حَيَاتِهِ يَصِحُّ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْوَاقِفُ بَطَلَتْ وِلَايَةُ الْقَوَّامِ؛ لِأَنَّ الْقَيِّمَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ إلَّا إذَا جَعَلَهُ قَيِّمًا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ وَصِيًّا كَذَا فِي الْفَتَاوَى ثُمَّ إذَا صَحَّ الْوَقْفُ عِنْدَهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ كَانَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ وَقَفَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كَانَ مِنْ الثُّلُثِ كَالْهِبَةِ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا صَحَّ الْوَقْفُ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ‏)‏ حَتَّى لَوْ كَانُوا عَبِيدًا فَأَعْتَقَهُمْ لَا يَعْتِقُونَ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ نَفَذَ بَيْعُهُ فِيهِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ إذَا صَحَّ الْوَقْفُ أَيْ ثَبَتَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْحُكْمِ أَوْ بِالتَّعْلِيقِ بِالْمَوْتِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا بِالْوَقْفِ وَالتَّسْلِيمِ‏.‏

‏(‏مَسْأَلَةٌ‏)‏ رَجُلٌ بَاعَ أَرْضًا وَادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْقَفَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قُبِلَتْ وَبَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِلتَّنَاقُضِ ثُمَّ إذَا عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى وَالدَّعْوَى لَمْ تَصِحَّ لِلتَّنَاقُضِ، وَإِنْ ادَّعَى مُشْتَرِي الْأَرْضِ أَنَّهَا وَقْفٌ، فَقَالَ لِلْبَائِعِ إنَّكَ بِعْتنِي هَذِهِ الْأَرْضَ وَهِيَ مَوْقُوفَةٌ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمُخَاصَمَةُ إلَى الْبَائِعِ، وَإِنَّمَا هِيَ إلَى الْمُتَوَلِّي لِلْوَقْفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَلٍّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُنَصِّبُ مُتَوَلِّيًا فَيُخَاصِمَهُ فَإِنْ أَثْبَتَ الْوَقْفَ بِالْبَيِّنَةِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَوَقْفُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ‏)‏ يَعْنِي فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ‏(‏وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ‏)‏ أَمَّا فِيمَا لَمْ يَحْتَمِلْهَا فَيَجُوزُ مَعَ الشُّيُوعِ أَيْضًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ مَعَ الشُّيُوعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الشَّرِكَةِ يَمْنَعُ الْخُلُوصَ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ فِي ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْقُبْحِ بِأَنْ يُقْبَرَ فِيهَا الْمَوْتَى سَنَةً وَتُزْرَعَ سَنَةً وَيُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فِي وَقْتٍ وَيُتَّخَذُ إصْطَبْلًا فِي وَقْتٍ بِخِلَافِ مَا عَدَا الْمَقْبَرَةِ وَالْمَسْجِدِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِغْلَالِ وَقِسْمَةِ الْغَلَّةِ وَقَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ يَعْنِي فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ شَرْطٌ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَصِحُّ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْهِبَةِ، وَلَوْ وَقَفَ الْكُلَّ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مِنْهُ بَطَلَ فِي الْبَاقِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ مُقَارِنٌ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مِنْهُ مُمَيَّزٌ بِعَيْنِهِ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْبَاقِي لِعَدَمِ الشُّيُوعِ، وَلَوْ وَقَفَ أَرْضًا وَفِيهَا زَرْعٌ لَمْ يَدْخُلْ الزَّرْعُ فِي الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ فَكَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ إلَّا بِالشَّرْطِ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَتِمُّ الْوَقْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى يُجْعَلَ آخِرُهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا‏)‏؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَقْفِ التَّأْبِيدُ كَالْعِتْقِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ جَعَلْت أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى أَوْلَادِ فُلَانٍ مَا تَنَاسَلُوا فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَتْ غَلَّتُهَا لِلْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْمَسَاكِينِ لَا يَنْقَطِعُ أَبَدًا وَإِذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ وَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ لَا يَمْلِكُ كَالْعَبْدِ وَالْحَمْلِ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى ذِمِّيٍّ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لِلْقُرْبَةِ وَلِهَذَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ‏}‏ وَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَلَا عَلَى قُطَّاعِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ فِيهِ وَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَعْدُومٍ كَالْوَقْفِ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ وَقَفَ وَقْفًا مُطْلَقًا وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَلْفَاظُ الْوَقْفِ سِتَّةٌ وَقَفْت وَحَبَسْت وَسَبَّلْت وَتَصَدَّقْت وَأَبَّدْت وَحَرَّمْت فَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى صَرِيحٌ فِيهِ وَبَاقِيهِ كِنَايَةٌ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا سَمَّى جِهَةً تَنْقَطِعُ جَازَ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ‏)‏ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ جَعَلْتهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً لِلَّهِ تَعَالَى أَبَدًا عَلَى وَلَدِ فُلَانٍ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفُقَرَاءَ وَلَا الْمَسَاكِينَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَهَا لِلَّهِ فَقَدْ أَبَّدَهَا؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ لِلَّهِ فَهُوَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَسَاكِينِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ذَكَرَهُمْ وَقِيلَ إنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ يُنْبِئُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ بِدُونِ التَّمْلِيكِ

كَالْعِتْقِ وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ فِي بَيَانِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ هَذَا صَدَقَةٌ بِالْمَنْفَعَةِ أَوْ الْغَلَّةِ وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مُؤَقَّتًا، وَقَدْ يَكُونُ مُؤَبَّدًا فَمُطْلَقُهُ لَا يَنْصَرِفُ إلَى التَّأْبِيدِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ قَالَ فِي شَرْحِهِ إذَا قَالَ جَعَلْت أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةً لِلَّهِ تَعَالَى أَبَدًا عَلَى وَلَدِي فَإِذَا انْقَرَضُوا فَهِيَ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِنَّ غَلَّتَهَا تَكُونُ لِوَلَدِهِ مِنْ صُلْبِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَالْخُنْثَى قَالَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْأَوْلَادِ الْمَوْجُودِينَ يَوْمَ الْوَقْفِ وَلِكُلِّ وَلَدٍ يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ حُدُوثِ الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ بِمَنْ يَكُونُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ يَوْمَ تَأْتِي الْغَلَّةُ فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ دَخَلُوا فِي الْوَقْفِ فَإِنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ الْغَلَّةِ إنْ كَانَ هَذَا الْوَلَدُ وُلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ طَلَعَتْ الْغَلَّةُ دَخَلَ فِي الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ مُحِيطٌ بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ قَبْلَهَا فَلِهَذَا دَخَلَ مَعَهُمْ‏.‏

فَإِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ الْغَلَّةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِيهَا وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ مَجِيئِهَا فَحِصَّتُهُ لَهُ تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ وَمَا بَقِيَ لِوَرَثَتِهِ وَإِذَا قَالَ وَقَفْت هَذِهِ الْأَرْضَ عَلَى أَوْلَادِي لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْوَلَدِ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ دَخَلَ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنِينَ وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى نَسْلِهِ أَوْ عَقِبِهِ أَوْ ذُرِّيَّتِهِ دَخَلَ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنِينَ وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ قَرُبُوا أَوْ بَعُدُوا؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ نَسْلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ‏}‏ فَجَعَلَهُمْ كُلَّهُمْ عَلَى

الْبُعْدِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَجَعَلَ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَهُوَ يُنْسَبُ إلَيْهِ بِالْأُمِّ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْبَنِينَ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْخُنْثَى، وَكَذَا إذَا وَقَفَ عَلَى الْبَنَاتِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْخُنْثَى أَيْضًا؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَا هُوَ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ دَخَلَ الْخُنْثَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ ابْنًا أَوْ بِنْتًا وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَنِينَ وَلَا مِنْ الْبَنَاتِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى بَنِي زَيْدٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ بَنَاتُهُ‏.‏

‏(‏مَسْأَلَةٌ‏)‏ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ قَالَ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ وَقَفْت أَرْضِي لَا يَصِحُّ بَرِئَ أَوْ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ وَتَعْلِيقُ الْوَقْفِ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ قَالَ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَاجْعَلُوا أَرْضِي وَقَفَا جَازَ وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ التَّوْكِيلِ بِالشَّرْطِ وَذَلِكَ يَجُوزُ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَيَصِحُّ وَقْفُ الْعَقَارِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَأَبَّدُ وَالْوَقْفُ مُقْتَضَاهُ التَّأْبِيدُ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ وَقْفُ مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى التَّأْبِيدِ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ لَا يَجُوزُ وَقْفُ الْمَنْقُولِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ أَنْ يَقِفَ أَرْضًا فِيهَا أَثْوَارٌ وَعَبِيدٌ لِمَصَالِحِهَا فَيَكُونُونَ وَقْفًا مَعَهَا تَبَعًا أَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِوَقْفِهِ كَالْمَرِّ لِحَفْرِ الْقُبُورِ أَوْ الْجِنَازَةِ وَثِيَابِ الْجِنَازَةِ، وَلَوْ وَقَفَ الْأَشْجَارَ الْقَائِمَةَ لَا يَجُوزُ قِيَاسًا وَيَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَيُنْتَفَعُ بِثِمَارِهَا دُونَ أَغْصَانِهَا إلَّا فِيمَا يُعْتَادُ قَطْعُهُ لِيُبْنَى بِهِ كَشَجَرِ الْخِلَافِ وَهُوَ الضَّرْحُ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ إذَا وَقَفَ ثَوْرًا عَلَى أَهْلِ قَرْيَةٍ لِلْإِنْزَاءِ عَلَى بَقَرِهِمْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ وَقْفَ الْمَنْقُولِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا فِيهِ تَعَارُفٌ وَلَا تَعَارُفَ فِي هَذَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ ثُمَّ إذَا جَازَ عِنْدَهُ الْوَقْفُ عَلَى الْإِنْزَاءِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَرْثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِفْهُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ ‏(‏وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا وَقَفَ ضَيْعَةً بِبَقَرِهَا وَأَكَرَتِهَا وَهُمْ عَبِيدُهُ جَازَ‏)‏، وَكَذَا سَائِرُ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فِي تَحْصِيلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَاقِفِ عِتْقُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا عَنْ مِلْكِهِ فَإِنْ أَعْتَقَهُمْ لَمْ يَعْتِقُوا وَنَفَقَةُ الْعَبِيدِ وَالْبَهَائِمِ مِنْ حَيْثُ شَرْطُ الْوَاقِفِ فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ شَيْئًا فَفِي أَكْسَابِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ كَاسِبًا أَوْ تَعَطَّلَ كَسْبُهُ لِمَرَضٍ أَوْ لَمْ يَفِ كَسْبُهُ بِنَفَقَتِهِ فَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ مَا لَا كَسْبَ لَهُ وَقِيلَ نَفَقَتُهُ عَلَى الْوَاقِفِ مَا دَامَ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ انْتَقَلَتْ إلَى الْوَرَثَةِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ الْعَبْدُ إلَيْهِمْ فَلَا يَلْزَمُهُمْ نَفَقَتُهُ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ فَكَفَنُهُ وَتَجْهِيزُهُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ قَوْلُهُ ‏(‏وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ حَبْسُ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فِي سَبِيلِ

اللَّهِ‏)‏ الْكُرَاعُ هُوَ الْخَيْلُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ عَلَى مَا قَالُوا وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْإِبِلُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ يُجَاهِدُونَ عَلَيْهَا وَيَحْمِلُونَ عَلَيْهَا السِّلَاحَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَيَجُوزُ وَقْفُ مَا فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ كَالْفَأْسِ وَالْمَرِّ وَالْقَدُومِ وَالْمِنْشَارِ وَالْجِنَازَةِ وَثِيَابِهَا وَالْقُدُورِ وَالْمَصَاحِفِ وَالْكُتُبِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٌ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا صَحَّ الْوَقْفُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَلَا تَمْلِيكُهُ‏)‏ إلَّا أَنْ يَكُون مُشَاعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيَطْلُبُ الشَّرِيكُ الْقِسْمَةَ فَتَصِحُّ مُقَاسَمَتُهُ أَمَّا امْتِنَاعُ الْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ فَلِأَنَّهُ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ‏.‏

وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ تَمْيِيزُ الْحُقُوقِ وَتَعْدِيلُ الْأَنْصِبَاءِ، وَإِنَّمَا خُصَّ أَبُو يُوسُفَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ وَقْفُ الْمُشَاعِ ثُمَّ إنْ وَقَفَ نَصِيبَهُ مِنْ عَقَارٍ مُشْتَرَكٍ فَهُوَ الَّذِي يُقَاسِمُ شَرِيكَهُ، وَإِنْ وَقَفَ نِصْفَ عَقَارٍ خَالِصٍ لَهُ فَاَلَّذِي يُقَاسِمُهُ الْقَاضِي أَوْ يَبِيعُ الْبَاقِي مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ يُقَاسِمُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَشْتَرِي ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا وَإِذَا كَانَ فِي الْقِسْمَةِ فَضْلُ دَرَاهِمَ إنْ أَعْطَى الْوَاقِفَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْوَقْفِ، وَإِنْ أَعْطَى الْوَاقِفُ جَازَ وَيَكُونُ بِقَدْرِ الدَّرَاهِمِ شِرَاءً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُهُ ‏(‏وَالْوَاجِبُ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ سَوَاءٌ شَرَطَ ذَلِكَ الْوَاقِفُ أَوْ لَمْ يَشْرِطْ‏)‏؛ لِأَنَّ عِمَارَتَهُ مِنْ مَصَالِحِهِ وَفِي الْبُدَاءَةِ بِذَلِكَ تَبْقِيَةٌ لَهُ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ وَقَفَ دَارًا عَلَى سُكْنَى وَلَدِهِ فَالْعِمَارَةُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى‏)‏ يَعْنِي الْمُطَالَبَةَ بِالْعِمَارَةِ لَا أَنْ يُجْبَرَ عَلَى فِعْلِهَا، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعِمَارَةُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ فَصَارَ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ فَقِيرًا آجَرَهَا الْحَاكِمُ وَعَمَّرَهَا بِأُجْرَتِهَا فَإِذَا عُمِّرَتْ رَدَّهَا إلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى‏)‏؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ حَقِّ الْوَاقِفِ وَحَقِّ صَاحِبِ السُّكْنَى وَلِأَنَّهُ إذَا آجَرَهَا وَعَمَّرَهَا بِأُجْرَتِهَا يَفُوتُ حَقُّ صَاحِبِ السُّكْنَى فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَإِنْ لَمْ يُعَمِّرْهَا تَفُوتُ السُّكْنَى أَصْلًا فَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَلَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْعِمَارَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ فَأَشْبَهَ امْتِنَاعَ صَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَلَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ رِضًا مِنْهُ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ قَوْلُهُ ‏(‏وَمَا انْهَدَمَ مِنْ بِنَاءِ الْوَقْفِ وَآلَتِهِ صَرَفَهُ الْحَاكِمُ فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ أَمْسَكَهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى عِمَارَتِهِ فَيَصْرِفَهُ فِيهَا‏)‏، وَإِنْ تَعَذَّرَ إعَادَةُ عَيْنِهِ إلَى مَوْضِعِهِ بِيعَ وَصُرِفَ ثَمَنُهُ إلَى الْإِصْلَاحِ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَ مُسْتَحِقِّي الْوَقْفِ‏)‏ يَعْنِي النَّقْضَ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ وَلَا حَقَّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فِيهِ، وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ فِي الْمَنَافِعِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ غَلَّةَ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ أَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ إلَيْهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ‏)‏ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْوَقْفِ الْقَبْضَ فَإِذَا شَرَطَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ لَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ فَصَارَ كَمَنْ شَرَطَ بُقْعَةً مِنْ الْمَسْجِدِ لِنَفْسِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ صَدَقَتِهِ الْمَوْقُوفَةِ‏}‏ وَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ مِنْهُ إلَّا بِشَرْطٍ، وَلَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ جَازَ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْوَقْفُ بَاطِلٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ أَنَّ الْوَاقِفَ شَرَطَ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ وَكَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ يَدِهِ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ كَمَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْوَصِيَّ إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ نَظَرًا لِلصِّغَارِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يُفْرِدَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِطَرِيقِهِ وَيَأْذَنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ‏)‏ أَمَّا الْإِفْرَادُ فَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُصُ لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا بِهِ‏.‏

وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِيهِ فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَتَسْلِيمُهُ أَنْ يَأْذَنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ فَإِذَا صَلَّوْا فِيهِ فَكَأَنَّهُمْ قَبَضُوهُ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِذَا صَلَّى فِيهِ وَاحِدٌ زَالَ مِلْكُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ‏)‏؛ لِأَنَّ فِعْلَ كُلِّ النَّاسِ مُتَعَذِّرٌ فَيُشْتَرَطُ أَدْنَاهُمْ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الصَّلَاةُ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يُبْنَى لَهَا فِي الْغَالِبِ قَوْلُهُ ‏(‏وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِقَوْلِهِ جَعَلْته مَسْجِدًا‏)‏؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْمِلْكِ كَالْإِعْتَاقِ، وَإِنْ اتَّخَذَ فِي وَسَطِ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ وَلَمْ يُفْرِدْهُ عَنْ دَارِهِ كَانَ عَلَى مِلْكِهِ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُورَثَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُحِيطٌ بِهِ وَلَهُ حَقُّ الْمَنْعِ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْقَى الطَّرِيقَ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْمَسْجِدِ طَرِيقًا عَلَى حِدَةٍ‏.‏

وَأَمَّا إذَا أَظْهَرَهُ لِلنَّاسِ وَأَفْرَدَ لَهُ طَرِيقًا وَمَيَّزَهُ صَارَ مَسْجِدًا خَالِصًا، وَإِنْ بَنَى عَلَى سَطْحِ مَنْزِلِهِ مَسْجِدًا أَوْ سَكَنَ أَسْفَلَهُ فَهُوَ مِيرَاثٌ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ مَسْجِدًا، وَإِنْ جَعَلَ أَسْفَلَهُ مَسْجِدًا وَفَوْقَهُ مَسْكَنًا وَأَفْرَدَ لَهُ طَرِيقًا جَازَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مِمَّا يَتَأَبَّدُ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي السُّفْلِ دُونَ الْعُلْوِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُعَظَّمٌ فَإِذَا كَانَ فَوْقَهُ مَسْكَنٌ لَمْ يَكُنْ تَعْظِيمًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَوَّزَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ حِينَ دَخَلَ بَغْدَادَ وَرَأَى ضِيقَ الْمَنَازِلِ فَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ

الضَّرُورَةَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ أَيْضًا حِينَ دَخَلَ الرَّيَّ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا غَصَبَ أَرْضًا فَبَنَاهَا مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ وَدُخُولِ الْحَمَّامِ لِلِاغْتِسَالِ، وَإِنْ غَصَبَ دَارًا فَبَنَاهَا مَسْجِدًا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا أَنْ يَدْخُلَهُ، وَإِنْ جُعِلَ جَامِعًا لَا يُجْمَعُ فِيهِ وَإِنْ جَعَلَهَا طَرِيقًا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ بِهَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ أَحَدٌ يَبْقَى مَسْجِدًا أَبَدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُصَلِّي فِيهِ الْمَارَّةُ وَالْمُسَافِرُونَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعُودُ مِلْكُ الْبَانِي فِيهِ إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ لِنَوْعِ قُرْبَةٍ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ، وَإِنْ اُسْتُغْنِيَ عَنْ حُصْرِ الْمَسْجِدِ وَخَشَبِهِ وَحَنَفِيَّتِهِ نُقِلَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُبَاعُ وَيُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ نَقْضِهِ إلَى عِمَارَةِ بِئْرٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَسْجِدِ‏.‏

وَكَذَا الْبِئْرُ لَا يُصْرَفُ نَقْضُهَا إلَى مَسْجِدٍ بَلْ يُصْرَفُ إلَى بِئْرٍ أُخْرَى، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى دُهْنِ السِّرَاجِ لِلْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ وَضْعُهُ لِجَمِيعِ اللَّيْلِ بَلْ بِقَدْرِ حَاجَةِ الْمُصَلِّينَ وَيَجُوزُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُدْرَسَ الْكِتَابُ عَلَى سِرَاجِ الْمَسْجِدِ يَنْظُرُ إنْ كَانَ وُضِعَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إلَى أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ ‏(‏وَمَنْ بَنَى سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ خَانًا يَسْكُنُهُ بَنُو السَّبِيلِ أَوْ رِبَاطًا أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْقَوْلِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا اسْتَقَى النَّاسُ مِنْ السِّقَايَةِ وَسَكَنُوا الرِّبَاطَ وَالْخَانَ وَدَفَنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ زَالَ الْمِلْكُ‏)‏ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْعَبْدِ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فَيَسْكُنَ فِي الْخَانِ وَيَنْزِلَ فِي الرِّبَاطِ وَيَشْرَبَ مِنْ السِّقَايَةِ وَيَدْفِنَ فِي الْمَقْبَرَةِ فَيُشْتَرَطُ حُكْمُ الْحَاكِمِ أَوْ الْإِضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهِ حَقُّ الِانْتِفَاعِ فَخَلَصَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ التَّسْلِيمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَازِمٍ فَكَانَ كَالْعِتْقِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ شَرْطٌ وَذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَيُكْتَفَى فِيهِ بِالْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ فِعْلِ الْجِنْسِ كُلِّهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْبِئْرُ وَلِأَنَّهُمْ إذَا دَفَنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا فَصَارَ كَالْمَسْجِدِ إذَا صُلِّيَ فِيهِ‏.‏

وَأَمَّا إذَا لَمْ يُدْفَنْ فِيهَا أَحَدٌ لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا قَبْضٌ فَبَقِيَتْ فِي يَدِ صَاحِبِهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَيَشْتَرِكُ الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ فِي الدَّفْنِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَالشُّرْبِ مِنْ السِّقَايَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إبَاحَةٌ وَمَا كَانَ إبَاحَةً لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْفَقِيرُ دُونَ الْغَنِيِّ بِخِلَافِ غَلَّةِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا التَّمْلِيكُ فَلَا يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ، وَلَوْ تَلِفَتْ الْكِيزَانُ الْمُسَبَّلَةُ عَلَى السِّقَايَةِ لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ وَصِفَةُ التَّعَدِّي أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا فِي غَيْرِ مَا وُقِفَتْ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

كِتَابُ الْغَصْبِ

هُوَ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ التَّغَلُّبِ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ أَخْذِ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ عَنْهُ حَتَّى كَانَ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ وَالْحَمْلُ عَلَى الدَّابَّةِ غَصْبًا دُونَ الْجُلُوسِ عَلَى السَّرِيرِ وَالْبِسَاطِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِخْدَامُ غَصْبًا إذَا اسْتَخْدَمَهُ الْغَاصِبُ لِنَفْسِهِ كَمَا إذَا غَصَبَهُ لِيَرْكَبَ لَهُ نَخْلًا وَيَجْنِيَ لَهُ ثَمَرَتَهُ أَمَّا إذَا قَالَ لِتَأْكُلَ أَنْتَ أَيُّهَا الْعَبْدُ فَفَعَلَ لَا يَضْمَنُ ثُمَّ الْغَصْبُ عِنْدَنَا إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ قَصْدًا وَإِثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ ضِمْنًا‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ قَصْدًا وَإِزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ ضِمْنًا وَفَائِدَتُهُ فِي الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَهِيَ نَوْعَانِ مُنْفَصِلَةٌ كَالْوَلَدِ وَمُتَّصِلَةٌ كَالسِّمَنِ وَكِلَاهُمَا عِنْدَنَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَعِنْدَهُ كِلَاهُمَا مَضْمُونٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ عِنْدَهُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى الْوَلَدِ وَعِنْدَنَا لَمْ تُوجَدْ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَالْغَصْبُ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ فَحُكْمُهُ الْمَأْثَمُ وَالْمَغْرَمُ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ كَمَنْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ يَظُنُّهُ مَالَهُ فَحُكْمُهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِهِ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ مَوْضُوعٌ وَالْغَصْبُ مُحَرَّمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ‏}‏ الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا‏}‏ الْآيَةَ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ وَمَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ‏}‏ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏وَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا مِمَّا لَهُ مِثْلٌ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ‏)‏،

وَهَذَا فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا وَجَبَ رَدُّ بَدَلِهِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ فَإِنْ غَصَبَ مِثْلِيًّا فِي حِينِهِ وَأَوَانِهِ وَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مِثْلِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ يَخْتَصِمُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ آخِرَ مَا انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ فَلَمَّا انْقَطَعَ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْمِثْلِ وَصَارَ كَأَنَّهُ غَصَبَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الْتَحَقَ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ انْعِقَادِ السَّبَبِ إذْ هُوَ الْمُوجِبُ أَصْلُهُ إذَا غَصَبَ مَا لَا مِثْلَ لَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمِثْلَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُطَالِبْهُ بِهِ حَتَّى وُجِدَ الْمِثْلُ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْمِثْلِ إلَى الْقِيمَةِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ فَوَجَبَ أَنْ تُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا أَحْضَرَ الْغَاصِبُ الْمِثْلَ فِي حَالِ الِانْقِطَاعِ وَتَكَلَّفَ ذَلِكَ أُجْبِرَ الْمَالِكُ عَلَى أَخْذِهِ‏.‏

وَأَمَّا إذَا غَصَبَ مَا لَا مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ إجْمَاعًا قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ‏)‏ يَعْنِي يَوْمَ الْغَصْبِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْعَدَدِيِّ الْمُتَفَاوِتِ وَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَفِي الْبُرِّ الْمَخْلُوطِ بِالشَّعِيرِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْمِثْلَ أَوْ الْقِيمَةَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّ الْمَغْصُوبِ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ فِي عَيْنِ مَالِهِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ إلَى بَدَلِهِ إلَّا بِرِضَاهُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ

إزَالَةُ الظُّلَامَةِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً فَإِذَا دَفَعَ بَدَلَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَهِيَ ظُلَامَةٌ أُخْرَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ ثُمَّ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْقِيمَةِ فَعَلَيْهِ رَدُّ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى زِيَادَةِ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي السِّعْرِ وَلَا إلَى نُقْصَانِهَا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ هُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَعَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ‏)‏ يَعْنِي مَا دَامَتْ قَائِمَةً وَهُوَ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ عَلَى مَا قَالُوا وَرَدُّ الْقِيمَةِ مُخَلِّصُ خَلَفًا وَقِيلَ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ وَفَائِدَتُهُ فِي الْبَرَاءَةِ وَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ بِالْمَغْصُوبِ فِي حَالِ قِيَامِ الْعَيْنِ يَعْنِي إذَا أَبْرَأَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ مِنْ ضَمَانِ الْعَيْنِ وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ فَعِنْدَ مَنْ قَالَ الْوَاجِبُ الْقِيمَةُ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ وَيَسْقُطُ ضَمَانُ الْعَيْنِ، وَكَذَا الرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ يَصِحَّانِ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُوبِ الْقِيمَةِ وَعَلَى اعْتِبَارِ وُجُوبِ رَدِّ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ وَفَائِدَتُهُ أَيْضًا فِيمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَلَهُ أَلْفٌ قَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي هَذِهِ أَلْفٌ؛ لِأَنَّهُ مَدْيُونٌ وَالْوَاجِبُ الرَّدُّ فِي الْمَكَانِ الَّذِي غَصَبَهُ فِيهِ لِتَفَاوُتِ الْقِيمَةِ بِتَفَاوُتِ الْأَمَاكِنِ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ ادَّعَى هَلَاكَهَا حَبَسَهُ الْحَاكِمُحَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً لَأَظْهَرَهَا ثُمَّ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِبَدَلِهَا‏)‏، وَإِنَّمَا حَبَسَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهُ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ فَلَا يُصَدَّقُ فَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى هَلَاكِهَا أَوْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ قَضَى عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ بِالْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا فَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً فِي بَدَنِهَا يَوْمَ غَصَبَهَا فَرَدَّهَا نَاقِصَةً ضَمِنَ النُّقْصَانَ، وَإِنْ كَانَتْ يَوْمَ غَصَبَهَا زَائِدَةً فِي السِّعْرِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قِيمَتُهَا يَوْمَ غَصَبَهَا مِائَتَيْنِ فَرَدَّهَا وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً لَمْ يَضْمَنْ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي السِّعْرِ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُلْقِيهِ اللَّهُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ مِنْ الرَّغْبَةِ فِي الْعَيْنِ وَالنُّقْصَانُ فِي السِّعْرِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فُتُورٌ يُلْقِيهِ اللَّهُ فِي أَنْفُسِ

النَّاسِ فَيَزْهَدُونَ فِي شِرَاءِ الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فَلِهَذَا لَمْ يَضْمَنْ الزِّيَادَةَ فَإِنْ غَصَبَهَا وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً فَزَادَتْ فِي بَدَنِهَا حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَتَيْنِ ثُمَّ نَقَصَتْ فِي الْبَدَنِ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَةً لَمْ يَضْمَنْ الزِّيَادَةَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الْقَبْضُ فَلَا تَكُونُ مَضْمُونَةً كَزِيَادَةِ السِّعْرِ وَلِأَنَّهَا زِيَادَةٌ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَهَلَكَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهَا وَالزِّيَادَةُ بَاقِيَةٌ فَامْتَنَعَ مِنْ رَدِّهَا حَتَّى نَقَصَتْ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ مِنْ الرَّدِّ صَارَ ضَامِنًا كَالْمُودَعِ إذَا جَحَدَ الْوَدِيعَةَ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَالْغَصْبُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ‏)‏؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَالَ بَيْنَ رَجُلٍ وَبَيْنَ مَتَاعِهِ أَوْ غَصَبَ مَالِكَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ حِفْظِ مَالِهِ حَتَّى تَلِفَ لَمْ يَضْمَنْهُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ، وَلَوْ حَوَّلَ الْمَتَاعَ وَنَقَلَهُ فَهَلَكَ ضَمِنَهُ وَالنَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ وَاحِدٌ وَقِيلَ التَّحْوِيلُ النَّقْلُ مِنْ مَكَان وَإِثْبَاتُهُ فِي مَكَان آخَرَ وَالنَّقْلُ يُسْتَعْمَلُ بِدُونِ الْإِثْبَاتِ فِي مَكَان آخَرَ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا غَصَبَ عَقَارًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُهُ‏)‏ وَهَلَاكُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِانْهِدَامِ الْبِنَاءِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِذَهَابِ تُرَابِهِ أَوْ بِغَلَبَةِ السَّيْلِ عَلَى الْأَرْضِ فَيَذْهَبُ بِأَشْجَارِهِ وَتُرَابِهِ فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُ فَإِنْ حَدَثَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِفِعْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فَضَمَانُهُ عَلَى الْمُتْلِفِ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُتْلِفَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ رَجَعَ عَلَى الْمُتْلِفِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ مِنْ سُكْنَاهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلِهِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِتَحَقُّقِ إثْبَاتِ الْيَدِ الْغَاصِبَةِ وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ زَوَالُ يَدِ الْمَالِكِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْيَدَيْنِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَهُمَا أَنَّ الْغَصْبَ بِإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ لَا تَزُولُ إلَّا بِإِخْرَاجِهِ عَنْهَا وَهُوَ فِعْلٌ فِيهِ لَا فِي الْعَقَارِ فَصَارَ كَمَا إذَا بَعُدَ الْمَالِكُ عَنْ مَاشِيَتِهِ وَلِأَنَّ الْعَقَارَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَانَتْ يَدُ صَاحِبِهِ ثَابِتَةً عَلَيْهِ فَلَا يَضْمَنُ وَالْغَصْبُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ قَوْلُهُ ‏(‏وَمَا نَقَصَ

بِفِعْلِهِ وَسُكْنَاهُ ضَمِنَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا هَلَكَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ضَمِنَهُ‏)‏ هَذَا إذَا كَانَ مَنْقُولًا فَإِنْ كَانَ الْهَلَاكُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانًا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ بِرَدِّ الْعَيْنِ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ نَقَصَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ‏)‏ يَعْنِي النُّقْصَانَ مِنْ حَيْثُ فَوَاتُ الْجُزْءِ لَا مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ وَمُرَادُهُ غَيْرُ الرِّبَوِيِّ أَمَّا فِي الرِّبَوِيِّ لَا يُمْكِنُ ضَمَانُ النُّقْصَانِ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا وَإِذَا وَجَبَ ضَمَانُ النُّقْصَانِ قُوِّمَتْ الْعَيْنُ صَحِيحَةً يَوْمَ غَصْبِهَا ثُمَّ تُقَوَّمُ نَاقِصَةً فَيَغْرَمُ مَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ مِنْ يَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ أَبَقَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَزَنَتْ فِي يَدِهِ وَلَمْ تَكُنْ زَنَتْ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ سَرَقَتْ فَعَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ الْعَبْدَ وَالْجَارِيَةَ مِنْ السَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ وَالزِّنَا، وَإِنْ أَصَابَهَا حُمَّى فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا مَحْمُومَةً فَمَاتَتْ عِنْدَ صَاحِبِهَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ مَا نَقَصَتْهَا الْحُمَّى دُونَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ مِنْ الْحُمَّى الَّتِي كَانَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْحُمَّى الَّتِي حَدَثَتْ فِي يَدِ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ الْحُمَّى يَحْصُلُ مِنْهَا الْأَلَمُ جُزْءًا فَجُزْءًا ثُمَّ تَتَكَامَلُ بِمَا يَتَجَدَّدُ مِنْ الْحُمَّى مِنْ بَعْدِهِ فَتَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ غَصَبَهَا مَحْمُومَةً فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا مَحْمُومَةً يَوْمَ غَصَبَهَا فَإِنْ كَانَتْ زَنَتْ فِي يَدِ الْمَوْلَى أَوْ سَرَقَتْ ثُمَّ غَصَبَهَا فَأُخِذَتْ بِحَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْمَوْلَى، وَكَذَا لَوْ حَبِلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ زَوْجٍ كَانَ لَهَا فِي يَدِ الْمَوْلَى فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَوْلَى أَحْبَلَهَا ثُمَّ غَصَبَهَا

فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ الْحَبَلِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْمَوْلَى فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا الْمَوْلَى فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ غَصَبَهَا وَهِيَ حُبْلَى مِنْ غَيْرِ إحْبَالٍ مِنْ الْمَوْلَى وَلَا مِنْ زَوْجٍ كَانَ لَهَا فِي يَدِ الْمَوْلَى فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِغَيْرِ فِعْلِ الْمَوْلَى وَلَا بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِهِ فَإِنْ زَنَتْ أَوْ سَرَقَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا عَلَى الْمَوْلَى فَأُخِذَتْ بِذَلِكَ فِي يَدِهِ فَعَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِهِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَمَنْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ فَمَالِكُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا‏)‏، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَكَذَا لَوْ سَلَخَهَا وَقَطَّعَ لَحْمَهَا وَلَمْ يَشْوِهِ وَفِي رِوَايَةٍ يُضَمِّنُهُ نُقْصَانَهَا وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ فَقَطَعَ طَرَفَهَا فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ الْمَأْكُولَةِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَمَنْ خَرَقَ ثَوْبَ غَيْرِهِ خَرْقًا يَسِيرًا ضَمِنَ نُقْصَانَهُ‏)‏ وَالثَّوْبُ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَيَضْمَنُ الْعَيْبَ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ خَرَقَهُ خَرْقًا كَثِيرًا يُبْطِلُ عَامَّةَ مَنَافِعِهِ فَلِمَالِكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ لَهُ وَإِذَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمَّا مَلَكَ الْقِيمَةَ مَلَكَ الْغَاصِبُ بَدَلَهَا حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ فِي مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْبَدَلَانِ، وَإِنْ شَاءَ صَاحِبُ الثَّوْبِ ضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ اسْتِهْلَاكًا تَامًّا وَلَا اتَّصَلَ بِزِيَادَةٍ وَالْمُمَاثَلَةُ فِيهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فَلِهَذَا جَازَ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَيَأْخُذَهُ كَذَا فِي شَرْحِهِ فَقَوْلُهُ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ اسْتِهْلَاكًا تَامًّا يُحْتَرَزُ مِمَّا لَوْ أَحْرَقَهُ وَقَوْلُهُ وَلَا اتَّصَلَ بِزِيَادَةٍ يُحْتَرَزُ مِمَّا لَوْ صَبَغَهُ وَقَوْلُهُ وَالْمُمَاثَلَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ يُحْتَرَزُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَقَوْلُهُ خَرَقَ هُوَ بِالتَّخْفِيفِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ خَرْقًا وَلَمْ يَقُلْ تَخْرِيقًا وَقَوْلُهُ كَثِيرًا هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ يَسِيرًا، وَلَوْ كَانَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ لَقَالَ فِي الْأَوَّلِ خَرْقًا صَغِيرًا كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْخَرْقِ الْفَاحِشِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ رُبُعِ الْقِيمَةِ وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَقِيلَ مَا لَا يَصْلُحُ الْبَاقِي بَعْدَهُ لِثَوْبٍ‏.‏

وَفِي الْهِدَايَةِ إشَارَةُ الْكِتَابِ إلَى أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَبْطُلُ بِهِ عَامَّةُ الْمَنَافِعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ النُّقْصَانُ‏.‏

وَفِي الْمُحِيطِ الْفَاحِشُ مَا يَسْتَنْكِفُ أَوْسَاطُ النَّاسِ مِنْ لُبْسِهِ مَعَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اخْرِقْ ثَوْبِي هَذَا فَفَعَلَ يَأْثَمُ وَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ خَرَقَ صَكَّ غَيْرِهِ يَضْمَنُ قِسْمَتَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ وَلَا يَضْمَنُ الْمَالَ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ صَادَفَ الصَّكَّ وَلَمْ يُصَادِفْ الْمَالَ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ حَتَّى زَالَ اسْمُهَا وَعُظْمَ مَنَافِعِهَا زَالَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْهَا وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ وَضَمِنَهَا إلَى آخِرِهِ‏)‏ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهَا وَقَوْلُهُ وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ قَالَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ إلَّا عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ أَوْ الْقَضَاءِ بِالضَّمَانِ أَوْ بِتَرَاضِي الْخَصْمَيْنِ عَلَى الضَّمَانِ فَإِذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ثَبَتَ الْمِلْكُ وَإِلَّا فَلَا وَبَعْدَ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لَا يَحِلُّ لِلْغَاصِبِ تَنَاوُلُهُ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ صَاحِبُهُ فِي حِلٍّ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهَا‏)‏ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالضَّمَانِ لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الضَّمَانَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَصَّ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالضَّمَانِ ثُمَّ إذَا أَدَّى الْبَدَلَ يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِالْبَدَلِ فَجُعِلَ مُبَادَلَةً بِالتَّرَاضِي، وَكَذَا إذَا أَبْرَأَهُ لِسُقُوطِ حَقِّهِ، وَكَذَا إذَا ضَمَّنَهُ الْحَاكِمُ أَوْ ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي الْحَاكِمُ إلَّا بِطَلَبِهِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ غَصَبَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ آنِيَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ فَيَأْخُذَهَا وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ وَلَا يُعْطِيهِ لِعَمَلِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ وَكَوْنُهُ مَوْزُونًا بَاقٍ أَيْضًا، وَكَذَا جَرَيَانُ الرِّبَا فِيهِ مَوْجُودٌ قَوْلُهُ ‏(‏وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا سَبِيلَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَضْرُوبَةِ وَعَلَيْهِ مِثْلُ الْفِضَّةِ الَّتِي غَصَبَهَا وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهَا صَنْعَةً مُعْتَبَرَةً‏.‏

وَأَمَّا إذَا سَبَكَ الْفِضَّةَ أَوْ الذَّهَبَ وَلَمْ يَصُغْهُمَا وَلَمْ يَضْرِبْهُمَا دَرَاهِمَ وَلَا دَنَانِيرَ بَلْ جَعَلَهُمَا صَفَائِحَ مَطْلُوَّةً لَمْ تَنْقَطِعْ يَدُ صَاحِبِهَا عَنْهَا إجْمَاعًا، وَلَوْ غَصَبَهُ دَرَاهِمَ فَخَلَطَهَا بِدَرَاهِمِهِ حَتَّى صَارَتْ لَا تَتَمَيَّزُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا وَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَهَا، وَإِنْ شَاءَ شَارَكَهُ بِقَدْرِهَا يَعْنِي إذَا صَاغَهَا حُلِيًّا أَوْ آنِيَةً قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا غَصَبَهُ طَعَامًا فَزَرَعَهُ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ، وَهَذَا إذَا ضَمِنَ بَعْدَ انْعِقَادِ الْحَبِّ لِتَمَكُّنِ الْخُبْثِ أَمَّا لَوْ ضَمِنَ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَبِّ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا كُلُّ نَوًى غَرَسَهُ فَنَبَتَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَعْنِي إذَا غَصَبَهُ فَغَرَسَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَبَتَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا فَهُوَ كَالْحَبِّ إذَا نَبَتَ، وَكَذَا إذَا غَصَبَ دَقِيقًا فَخَبَزَهُ أَوْ بَيْضًا فَصَارَ فَرُّوخًا مَلَكَهُ لِزَوَالِ اسْمِهِ أَوْ تُرَابًا فَجَعَلَهُ لَبِنًا أَوْ آنِيَةً أَوْ قُطْنًا فَغَزَلَهُ أَوْ خَشَبًا فَعَمِلَهُ سَفِينَةً فَفِي هَذَا كُلِّهِ يَزُولُ مِلْكُ مَالِكِهِ عَنْهُ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَمَنْ غَصَبَ سَاجَةً فَبَنَى عَلَيْهَا زَالَ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا وَلَزِمَ الْغَاصِبَ قِيمَتُهَا‏)‏، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَنْقُضُ الْبِنَاءَ وَيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ إنَّمَا لَا يَنْقُضُ الْبِنَاءَ عِنْدَنَا إذَا بَنَى حَوَالَيْهَا أَمَّا إذَا بَنَى عَلَى نَفْسِهَا يَنْقُضُ وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يَرُدُّ ذَلِكَ وَهُوَ الْأَصَحُّ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ سَوَاءٌ بَنَى عَلَيْهَا أَوْ حَوَالَيْهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ‏}‏ وَفِي قَلْعِ الْبِنَاءِ ضَرَرٌ وَيُمْكِنُنَا تَوْفِيَةُ الْحَقَّيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِأَنْ يُلْزَمَ الْغَاصِبُ قِيمَتَهَا إذْ هِيَ تَقُومُ مَقَامَهَا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى فِيهَا قِيلَ لَهُ اقْلَعْ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَرُدَّهَا إلَى مَالِكِهَا‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ‏}‏ وَلِأَنَّ مِلْكَ صَاحِبِ الْأَرْضِ بَاقٍ فَإِنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَصِرْ مُسْتَهْلَكَةً وَالْغَصْبُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا فَيُؤْمَرُ الْغَاصِبُ بِتَفْرِيغِهَا كَمَا إذَا أَشْغَلَ ظَرْفَ غَيْرِهِ بِطَعَامِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ‏}‏ أَيْ لَيْسَ لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ وَهُوَ الَّذِي يَغْرِسُ فِي الْأَرْضِ غَصْبًا وَوُصِفَ الْعِرْقُ بِالظُّلْمِ وَالْمُرَادُ صَاحِبُهُ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ عَلَى الْإِضَافَةِ إلَى الْعِرْقِ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِقَلْعِ ذَلِكَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا وَيَكُونُ الْمَقْلُوعُ لَهُ‏)‏؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمَا وَدَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمَا وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا؛ لِأَنَّهَا الْحَالَةُ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا رَدُّهَا فَتُقَوَّمُ الْأَرْضُ بِدُونِ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ وَتُقَوَّمُ وَهُمَا بِهَا وَلَكِنْ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْمُرَ بِقَلْعِهِ فَيَضْمَنَ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَوْ غَصَبَ فَصِيلًا وَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ فَكَبِرَ حَتَّى صَارَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِهَدْمِ الْجِدَارِ وَقَلْعِ الْبَابِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْفَصِيلِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الدَّارِ وَجَبَ عَلَيْهِ هَدْمُ الْبِنَاءِ وَرَدُّ الْفَصِيلِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ وَالْهَدْمِ أَكْثَرَ غَرِمَ قِيمَةَ الْفَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَكَذَا إذَا ابْتَلَعَتْ الدَّجَاجَةُ لُؤْلُؤَةً لِغَيْرِ صَاحِبِهَا لَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُهَا عَلَى ذَبْحِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلٍ حَصَلَ مِنْهُ فَيُقَالُ لِصَاحِبِ اللُّؤْلُؤَةِ إنْ شِئْت فَخُذْ الْقِيمَةَ‏.‏

وَإِنْ شِئْت فَاصْبِرْ حَتَّى تَزْرِقَهَا الدَّجَاجَةُ أَوْ يَذْبَحَهَا مَالِكُهَا بِاخْتِيَارِهِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقَالُ لِصَاحِبِ اللُّؤْلُؤَةِ أَعْطِ صَاحِبَ الدَّجَاجَةِ قِيمَةَ الدَّجَاجَةِ وَخُذْ الدَّجَاجَةَ وَفِي رِوَايَةٍ يُنْظَرُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ قِيمَةً فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ كَذَا فِي الْعُيُونِ، وَلَوْ وَقَعَ دِرْهَمٌ أَوْ لُؤْلُؤَةٌ فِي مِحْبَرَةٍ وَكَانَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِكَسْرِهَا إنْ كَانَ ذَلِكَ بِفِعْلِ صَاحِبِ الْمِحْبَرَةِ وَكَانَ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الْمِحْبَرَةِ كُسِرَتْ وَلَا غُرْمَ عَلَى صَاحِبِ الشَّيْءِ الْوَاقِعِ فِيهَا، وَإِنْ وَقَعَ بِفِعْلِ صَاحِبِ الشَّيْءِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ كُسِرَتْ أَيْضًا وَعَلَى صَاحِبِ الشَّيْءِ قِيمَةُ الْمِحْبَرَةِ إنْ شَاءَ وَإِلَّا صَبَرَ حَتَّى تَنْكَسِرَ، وَلَوْ أَدْخَلَتْ بَهِيمَةٌ رَأْسَهَا فِي قِدْرٍ أَوْ بُرْمَةٍ وَلَمْ تَخْرُجْ إلَّا بِكَسْرِهَا فَهُوَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْفَصِيلِ، وَلَوْ غَصَبَ خَيْطًا فَخَاطَ بِهِ ثَوْبًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَا يُنْزَعُ وَمَنْ رَكِبَ دَارَ غَيْرِهِ لِإِطْفَاءِ حَرِيقٍ وَقَعَ فِي الْبَلَدِ فَانْهَدَمَ جِدَارٌ مِنْ الدَّارِ بِرُكُوبِهِ لَمْ يَضْمَنْ قِيمَةَ الْجِدَارِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْحَرِيقِ عَامٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ دَفْعُ ذَلِكَ عَنْهُمْ كَمَا إذَا حَمَلَ الْعَدُوُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَدَفَعَ عَنْهُمْ رَجُلٌ ذَلِكَ الْعَدُوَّ بِآلَةِ غَيْرِهِ حَتَّى تَلِفَتْ الْآلَةُ لَمْ يَضْمَنْ مِنْ قِيمَتِهَا شَيْئًا كَذَلِكَ هَذَا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ وَمِثْلَ السَّوِيقِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِلْغَاصِبِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ فِيهِمَا‏)‏؛ لِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْخِيَرَةُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ لِكَوْنِهِ صَاحِبَ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ مَتْبُوعٌ وَمَالُ الْغَاصِبِ تَبَعٌ‏.‏

وَأَمَّا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَرَهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْقِصَارَةَ لَيْسَتْ بِزِيَادَةِ عَيْنٍ فِي الثَّوْبِ وَمَا اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ مِنْ الصَّابُونِ وَغَيْرِهِ يَتْلَفُ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ عَيْنٌ، وَكَذَا إذَا غَسَلَهُ بِالصَّابُونِ وَالْمَاءِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَصَبَغَهُ إذْ لَوْ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي صَبْغِ إنْسَانٍ فَانْصَبَغَ بِهِ فَإِنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ قِيمَةِ الصَّبْغِ؛ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْ صَاحِبِ الصَّبْغِ أَوْ يَكُونُ الثَّوْبُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي الثَّوْبِ الْقِيمَةَ وَفِي السَّوِيقِ الْمِثْلَ؛ لِأَنَّ السَّوِيقَ مِثْلِيٌّ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ يَضْمَنُ قِيمَةَ السَّوِيقِ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِالْقَلْيِ فَلَمْ يَبْقَ مِثْلِيًّا، وَهَذَا إذَا كَانَ الصَّبْغُ يَزِيدُ فِي الثَّوْبِ فِي الْعَادَةِ كَالْعُصْفُرِ وَالزَّعْفَرَانِ أَمَّا إذَا كَانَ يُنْقِصُهُ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ وَسَلَّمَهُ لِلْغَاصِبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ وَالصُّفْرَةُ فِي الصَّبْغِ كَالْحُمْرَةِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ احْتِرَازٌ عَنْ السَّوَادِ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ نُقْصَانٌ وَعِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ فَإِذَا صَبَغَهُ أَسْوَدَ كَانَ صَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ وَتَرَكَهُ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ أَسْوَدَ وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِيهِ نَقْصًا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ كَالْعُصْفُرِ فَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَجَابَ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَلْبَسُونَ السَّوَادَ وَكَانَ نُقْصَانًا عِنْدَهُمْ وَهُمَا أَجَابَا عَلَى مَا فِي زَمَانِهِمَا فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَ السَّوَادَ وَكَانَ زِيَادَةً عِنْدَهُمْ فَعَلَى هَذَا هُوَ اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ هُوَ الَّذِي غَصَبَ الْعُصْفُرَ فَصَبَغَ بِهِ ثَوْبَهُ كَانَ الثَّوْبُ لَهُ وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِ الْعُصْفُرِ، إنْ كَانَ يُكَالُ فَمِثْلُ كَيْلِهِ، وَإِنْ كَانَ يُوزَنُ فَمِثْلُ وَزْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ أَخَذَهُ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْعُصْفُرِ أَنْ يَحْبِسَ الثَّوْبَ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مَتْبُوعٌ وَلَيْسَ بِتَابِعٍ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَمَنْ غَصَبَ عَيْنًا فَغَيَّبَهَا فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهَا مَلَكَهَا الْغَاصِبُ بِالْقِيمَةِ وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَدَّعِي زِيَادَةً وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ قَوْلُهُ ‏(‏إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ‏)‏؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَوْلَى مِنْ الْيَمِينِ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِمَّا ضَمِنَ، وَقَدْ ضَمِنَهَا بِقَوْلِ الْمَالِكِ أَوْ بَيِّنَةٍ أَقَامَهَا أَوْ بِنُكُولِ الْغَاصِبِ عَنْ الْيَمِينِ فَلَا خِيَارَ لِلْمَالِكِ‏)‏ وَهِيَ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِرِضَا الْمَالِكِ حَيْثُ ادَّعَى هَذَا الْمِقْدَارَ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ كَانَ ضَمِنَهَا بِقَوْلِ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى الضَّمَانَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَيْنَ وَرَدَّ الْعِوَضَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ، وَلَوْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا مِثْلُ مَا ضَمِنَ أَوْ دُونَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْآخَرِ فَكَذَا الْجَوَابُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَعْنِي أَنَّ الْمَالِكَ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ بِرِضَاهُ حَيْثُ لَمْ يُعْطَ مَا يَدَّعِيهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَوَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ وَنَمَاؤُهَا وَثَمَرَةُ الْبُسْتَانِ الْمَغْصُوبِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ إنْ هَلَكَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى فِيهَا أَوْ يَطْلُبَهَا مَالِكُهَا فَيَمْنَعَهُ إيَّاهَا‏)‏،‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ زَوَائِدُ الْغَصْبِ مَضْمُونَةٌ مُتَّصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُنْفَصِلَةً وَالْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْغَصْبَ عِنْدَنَا إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ قَصْدًا وَإِثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ ضِمْنًا وَعِنْدَهُ الْغَصْبُ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ قَصْدًا وَإِزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ ضِمْنًا وَفَائِدَةُ ذَلِكَ فِي الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَهِيَ نَوْعَانِ مُنْفَصِلَةٌ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَمُتَّصِلَةٌ كَالسِّمَنِ وَكِلَاهُمَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ كِلَاهُمَا مَضْمُونٌ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ عِنْدَهُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى الْوَلَدِ وَعِنْدَنَا لَمْ تُوجَدْ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَيَدُ الْمَالِكِ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ حَتَّى يُزِيلَهَا الْغَاصِبُ ثُمَّ حُدُوثُ الْوَلَدِ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ حَدَثَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْغَصْبِ فَهُوَ أَمَانَةٌ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى فِيهِ أَوْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَغْصِبَهَا حَامِلًا أَوْ حَائِلًا فِي أَنَّ الْوَلَدَ أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا قِيمَةَ لَهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَغْصِبَهَا وَالْوَلَدُ مَعَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْوَلَدَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْقَبْضُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَمَا نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ فَمِنْ ضَمَانِ الْغَاصِبِ‏)‏ وَصُورَتُهُ إذَا حَبِلَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَوْ زَنَتْ بِعَبْدِ الْغَاصِبِ أَمَّا إذَا كَانَ الْحَبَلُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الْمَوْلَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءٌ بِهِ جُبِرَ النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ وَسَقَطَ ضَمَانُهُ عَنْ الْغَاصِبِ‏)‏‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ لَا يَنْجَبِرُ بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِلْكُهُ فَلَا يَصِحُّ جَابِرًا لِمِلْكِهِ وَلَنَا أَنَّ الْوِلَادَةَ فَوَّتَتْ جُزْءًا وَأَفَادَتْ مَالًا فَوَجَبَ أَنْ يُجْبَرَ الْفَائِتُ بِالْفَائِدَةِ كَمَنْ قَطَعَ يَدَ الْمَغْصُوبَةِ فَأَخَذَ الْغَاصِبُ أَرْشَهَا وَفِيهِ وَفَاءٌ وَكَمَنْ قَلَعَ سِنَّهَا فَنَبَتَتْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَلَدِ وَفَاءٌ فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ مَا بِإِزَائِهِ وَيَغْرَمُ الْغَاصِبُ فَضْلَ النُّقْصَانِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ صَارَ كَتَلَفِ الْأَرْشِ فِي يَدِهِ، وَلَوْ تَلِفَ الْأَرْشُ فِي يَدِهِ كَانَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِغَيْرِهِ فَكَذَا إذَا تَلِفَ الْوَلَدُ وَمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً فَزَنَى بِهَا ثُمَّ رَدَّهَا فَحَبِلَتْ وَمَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ عَلِقَتْ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَدْ صَحَّ وَالْهَلَاكُ بَعْدَهُ بِسَبَبٍ حَدَثَ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ فَلَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ كَمَا إذَا حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ثُمَّ رَدَّهَا فَهَلَكَتْ أَوْ زَنَتْ فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهَا فَجُلِدَتْ فَهَلَكَتْ مِنْهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ غَصَبَهَا وَمَا انْعَقَدَ فِيهَا سَبَبُ التَّلَفِ وَرَدَّهَا وَفِيهَا ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَخَذَهُ فَلَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ مَنَافِعَ مَا غَصَبَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ بِاسْتِعْمَالِهِ لَهُ فَيَغْرَمَ النُّقْصَانَ‏)‏ صُورَتُهُ إذَا غَصَبَ عَبْدًا خَبَّازًا فَأَمْسَكَهُ شَهْرًا وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْمَالِكِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَنَافِعِ الشَّهْرِ عِنْدَنَا وَصُورَةُ إتْلَافِ الْمَنَافِعِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْعَبْدَ أَيَّامًا ثُمَّ يَرُدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ فَعِنْدَنَا لَا يَضْمَنُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْغَاصِبِ فِي اسْتِخْدَامِهِ عَبْدِ الْغَصْبِ وَلَا فِي سُكْنَى دَارٍ غَصَبَهَا وَفِي الْكَرْخِيِّ إذَا آجَرَ الْغَاصِبُ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ فَالْأُجْرَةُ لِلْغَاصِبِ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا، وَلَوْ غَصَبَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ الْمَالِكُ وَهُوَ يَعْرِفُهُ أَوْ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ الْغَاصِبُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ كَانَ ثَوْبًا فَأَلْبَسهُ إيَّاهُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ فَقَدْ بَرِئَ مِنْهُ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ لَهُ بِالْأَكْلِ وَاللُّبْسِ فَلَوْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ لَسَلَّمَ لَهُ الْعِوَضَ وَالْمُعَوَّضَ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا غَصَبَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا وَأَطْعَمَهَا الْمَغْصُوبَ مِنْهُ أَنْ لَا يَبْرَأَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهَا بِالطَّحْنِ فَبَانَ أَنَّهُ أُطْعِمَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِذَلِكَ وَفِي الْبَزْدَوِيِّ الْكَبِيرِ مَنْ غَصَبَ طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ الْمَالِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلِمَهُ بَرِئَ مِنْهُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ أَدَاءٌ حَقِيقَةً فَإِنَّ عَيْنَ مَالِهِ وَصَلَ إلَيْهِ فَجَهْلُهُ بِهِ لَا يُبْطِلُ قَبْضَهُ لَهُ أَيْ جَهْلُهُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ لَا يُبْطِلُ حُكْمًا شَرْعِيًّا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا، فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَعْتِقْ عَبْدِي هَذَا وَأَشَارَ إلَى الْمَبِيعِ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَبْدُهُ صَحَّ إعْتَاقُهُ وَيُجْعَلُ قَبْضًا وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَهُ وَجَهْلُهُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ مَا وُجِدَ مِنْهُ كَذَا هَذَا،‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَدَاءٍ مَأْمُورٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غُرُورٌ وَالشَّرْعُ لَمْ يَأْمُرْ بِالْغُرُورِ فَبَطَلَ الْأَدَاءُ نَفْيًا لِلْغُرُورِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا اسْتَهْلَكَ الْمُسْلِمُ خَمْرَ الذِّمِّيِّ أَوْ خِنْزِيرَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا‏)‏؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَهُمْ كَالْخَلِّ لَنَا وَالْخِنْزِيرُ فِي حَقِّهِمْ كَالشَّاةِ لَنَا وَنَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَتَدَيَّنُونَ وَالسَّيْفُ مَوْضُوعٌ فَتَعَذَّرَ الْإِلْزَامُ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ قِيمَةُ الْخَمْرِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَمْلِيكِهِ وَتَمَلُّكِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يَجِبُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ تَمْلِيكِهِ وَتَمَلُّكِهِ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُمَا مُسْلِمٌ لِمُسْلِمٍ لَمْ يَضْمَنْ‏)‏، وَكَذَا إذَا اسْتَهْلَكَهُمَا ذِمِّيٌّ لِمُسْلِمٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَلَوْ غَصَبَ مُسْلِمٌ خَمْرَ الْمُسْلِمِ فَتَخَلَّلَتْ عِنْدَهُ أَوْ خَلَّلَهَا الْغَاصِبُ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا فَإِنْ هَلَكَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ بَعْدَمَا صَارَتْ خَلًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا الْغَاصِبُ ضَمِنَ مِثْلَهَا خَلًّا؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةُ وَاسْتَهْلَكَهُ لَا يَضْمَنُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ إنَّمَا حَصَلَ بِفِعْلِهِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْجِلْدَ مَدْبُوغًا وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ، وَإِنْ هَلَكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ وَالْغَصْبُ الْمُتَقَدِّمُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ‏.‏

وَأَمَّا إذَا دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَهَلَكَ بَعْدَ الدِّبَاغِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ صَارَ مَالًا وَهُوَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ فَإِذَا أَتْلَفَهُ الْغَاصِبُ ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ هَذَا كُلُّهُ فِي حَالَةِ هَلَاكِ الْجِلْدِ أَمَّا حَالُ وُجُودِهِ فَنَقُولُ إذَا غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ

بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَالَ مَالًا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَالَ بِالشَّمْسِ وَالتُّرَابِ وَإِنْ دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَغْرَمَ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ صَارَ مَالًا بِمَالِ الْغَاصِبِ وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يُنْظَرَ إلَى قِيمَتِهِ ذَكِيًّا غَيْرَ مَدْبُوغٍ وَإِلَى قِيمَتِهِ مَدْبُوغًا فَيَضْمَنَ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَخَذَ جِلْدَ الْمَيْتَةِ مِنْ مَنْزِلِ صَاحِبِهَا أَمَّا إذَا أَلْقَاهَا الْمَالِكُ فِي الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ فَدَبَغَهُ فَقَدْ قِيلَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إلْقَاءَ الْمَيْتَةِ فِي الطَّرِيقِ إبَاحَةٌ لِأَخْذِهَا فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرُّجُوعُ وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ‏.‏

‏(‏مَسَائِلُ شَتَّى‏)‏ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ غَصَبَ أَلْفًا فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً فَبَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ جَارِيَةً فَبَاعَهَا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ الرِّبْحِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا الْمُودَعُ عَلَى هَذَا وَمَنْ كَسَرَ لِمُسْلِمٍ بَرْبَطًا أَوْ طَبْلًا أَوْ مِزْمَارًا أَوْ دُفًّا فَهُوَ ضَامِنٌ وَبَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ جَائِزٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أُعِدَّتْ لِلْمَعْصِيَةِ فَبَطَلَ تَقْوِيمُهَا كَالْخَمْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَمْوَالٌ؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ لِمَا يَحِلُّ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ، وَإِنْ صَلُحَتْ لِمَا لَا يَحِلُّ فَصَارَ كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَتَجِبُ قِيمَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرَ صَالِحَةٍ لِلَّهْوِ وَمَنْ غَصَبَ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْمُدَبَّرَةِ وَلَمْ يَضْمَنْ قِيمَةَ أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْمُدَبَّرَةِ مُتَقَوِّمَةٌ بِالِاتِّفَاقِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَسْعَى لِلْغُرَمَاءِ وَلِلْوَرَثَةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ كَالْمُدَبَّرَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مِنْهَا إلَّا الْمَنَافِعَ لَا غَيْرُ بِدَلَالَةِ أَنَّهَا لَا تَسْعَى بَعْدَ مَوْتِهِ بِحَالٍ وَأَنَّهَا حُرَّةٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْمَنَافِعُ إذَا تَلِفَتْ لَا قِيمَةَ لَهَا، وَلَوْ غَصَبَ صَبِيًّا فَمَرِضَ فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ‏.‏

وَإِنْ لَمْ يَمْرَضْ وَلَمْ يَمُتْ وَلَكِنْ عَقَرَهُ سَبُعٌ فَقَتَلَهُ أَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ فَمَاتَ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ الدِّيَةُ، وَإِنْ قَتَلَهُ رَجُلٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ خَطَأً فَإِنَّ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَتَّبِعُوا أَيَّهُمَا شَاءُوا بِالدِّيَةِ فَإِنْ اتَّبَعُوا الْغَاصِبَ رَجَعَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنْ اتَّبَعُوا الْقَاتِلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ وَكُلُّ هَذَا

الضَّمَانِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا الْقَاتِلَ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ، وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْغَاصِبَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَتَرْجِعُ عَاقِلَةُ الْغَاصِبِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَلَوْ أَنَّ الصَّبِيَّ هُوَ الَّذِي قَتَلَ رَجُلًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهُ إلَى أَبِيهِ فَضَمِنَ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ الدِّيَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُضْمَنُ بِالْيَدِ فَلَا يُضْمَنُ جِنَايَتُهُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَتَلَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ أَوْ طَرَحَ نَفْسَهُ مِنْ دَابَّةٍ لَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ ضَمِنَ الْغَاصِبُ، وَإِنْ فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ قَفَصٍ فَطَارَ مِنْهُ طَائِرٌ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إذَا نَفَّرَهُ، وَكَذَا إذَا فَتَحَ بَابَ دَارٍ فَهَرَبَ مِنْهُ الْعَبْدُ أَوْ حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ فَهَرَبَ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَجْنُونًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي دَابَّةٍ مَرْبُوطَةٍ فِي مَرْبِطٍ فَحَلَّهَا رَجُلٌ أَوْ كَانَتْ فِي بَيْتٍ فَفَتَحَ الْبَابَ فَذَهَبَتْ الدَّابَّةُ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ فَإِنْ حَلَّ رِبَاطَهَا رَجُلٌ وَفَتَحَ الْبَابَ آخَرُ فَالضَّمَانُ عَلَى فَاتِحِ الْبَابِ‏.‏

وَقَالَ فِي الْعَبْدِ إذَا حَلَّ قَيْدَهُ أَوْ فَتَحَ الْبَابَ عَلَيْهِ فَهَرَبَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَجْنُونًا‏.‏

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا ضَمَانَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ طَارَ الطَّائِرُ مِنْ فَوْرِهِ ضَمِنَ، وَإِنْ طَارَ بَعْدَ مُهْلَةٍ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ حَلَّ رِبَاطَ الزِّقِّ فَإِنْ كَانَ السَّمْنُ الَّذِي فِيهِ ذَائِبًا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَذَابَ بِالشَّمْسِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ سَالَ بِفِعْلِ الشَّمْسِ لَا بِفِعْلِهِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ إذَا اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا فَجَاءَ إلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، فَقَالَ لَا آخُذُهَا وَلَا أَجْعَلُك فِي حِلٍّ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى

يَجْبُرَهُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حَقَّ الْمُسْتَهْلِكِ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْهُ إلَى الْحَاكِمِ وَلَكِنْ وَضَعَهُ فِي حِجْرِ صَاحِبِهِ بَرِئَ، وَإِنْ وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يَبْرَأُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ إذَا وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِهَا، وَكَذَلِكَ عَيْنُ الْمَغْصُوبِ يَبْرَأُ بِوَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ حَقِيقَةُ الْقَبْضِ لِتَحَقُّقِ الْمُعَاوَضَةِ وَفِي الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ يَتَحَقَّقُ الرَّدُّ بِالتَّخْلِيَةِ لِعَدَمِ الْمُعَاوَضَةِ وَطَلَبَةُ الْعِلْمِ إذَا كَانُوا فِي مَجْلِسٍ وَمَعَهُمْ مَحَابِرُ فَكَتَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مِنْ مِحْبَرَةِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ دَلَالَةً إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْضَى‏.‏

‏(‏مَسْأَلَةٌ‏)‏ رَوَى عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ عَاصِمٍ قَالَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ دِرْهَمٍ لِرَجُلٍ وَدِرْهَمَيْنِ لِآخَرَ اخْتَلَطُوا فَضَاعَ دِرْهَمَانِ وَبَقِيَ دِرْهَمٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَا يُعْرَفُ مِنْ أَيُّهَا هُوَ، فَقَالَ الدِّرْهَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَلَقِيت ابْنَ شُبْرُمَةَ فَسَأَلْته عَنْهَا، فَقَالَ أَسَأَلْت عَنْهَا أَحَدًا‏؟‏ قُلْت نَعَمْ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ، فَقَالَ إنَّهُ قَالَ لَك الدِّرْهَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا قُلْت نَعَمْ قَالَ أَخْطَأَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ دِرْهَمٌ مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ الضَّائِعَيْنِ لِصَاحِبِ الدِّرْهَمَيْنِ بِلَا شَكٍّ وَالدِّرْهَمُ الثَّانِي مِنْ الضَّائِعَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ الثَّانِي مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الدِّرْهَمُ الْوَاحِدُ فَالدِّرْهَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَاسْتَحْسَنْت جَوَابَهُ جِدًّا وَعُدْت إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَقُلْت لَهُ خُولِفْت فِي الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ أَلَقِيَك ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَقَالَ لَك كَذَا، وَكَذَا وَذَكَرَ جَوَابَهُ بِعَيْنِهِ قُلْت نَعَمْ قَالَ إنَّ الثَّلَاثَةَ لَمَّا اخْتَلَطَتْ صَارَتْ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ فَلِصَاحِبِ الدِّرْهَمَيْنِ ثُلُثَا كُلِّ دِرْهَمٍ وَلِصَاحِبِ الدِّرْهَمِ ثُلُثُ كُلِّ دِرْهَمٍ فَأَيُّ دِرْهَمٍ ذَهَبَ ذَهَبَ بِحِصَّتِهِ فَالدِّرْهَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

كِتَابُ الْوَدِيعَةِ

هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْوَدْعِ وَهُوَ التَّرْكُ قَالَ الشَّاعِرُ سَلْ أَمِيرِي مَا الَّذِي غَيَّرَهُ عَنْ وِصَالِي الْيَوْمَ حَتَّى وَدَّعَهُ أَيْ تَرَكَهُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ الْأَعْيَانِ مَعَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْحِفْظِ مَعَ بَقَائِهَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَالِكِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالْأَمَانَةِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ هِيَ الِاسْتِحْفَاظُ قَصْدًا وَالْأَمَانَةُ هِيَ الشَّيْءُ الَّذِي وَقَعَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بَائِنٍ أَلْقَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي حِجْرِهِ وَالْحُكْمُ فِي الْوَدِيعَةِ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ إذَا عَادَ إلَى الْوِفَاقِ وَفِي الْأَمَانَةِ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالْأَدَاءِ إلَى صَاحِبِهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُودَعِ فَإِذَا هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا‏)‏؛ لِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَيْهَا فَلَوْ كَانَتْ مَضْمُونَةً لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ قَبُولِهَا فَتَتَعَطَّلُ مَصَالِحُهُمْ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلِلْمُودَعِ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ فِي عِيَالِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْحِفْظِ إلَّا بِهِمْ وَلِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ دَفْعِهَا إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ مُلَازَمَةُ بَيْتِهِ وَلَا اسْتِصْحَابُ الْوَدِيعَةِ فِي خُرُوجِهِ وَاَلَّذِي فِي عِيَالِهِ هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ مَعَهُ وَيُجْرِي عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ مِنْ امْرَأَتِهِ وَوَلَدِهِ وَأَجِيرِهِ وَعَبْدِهِ وَفِي الْفَتَاوَى هُوَ مَنْ يُسَاكِنُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفَقَتِهِ أَوْ لَا وَيُشْتَرَطُ فِي الْأَجِيرِ أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا مُشَاهَرَةً وَطَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَأَمَّا إذَا كَانَ أَجِيرًا مُيَاوَمَةً وَيُعْطِيهِ نَفَقَتَهُ دَرَاهِمَ فَلَيْسَ هُوَ فِي عِيَالِهِ فَيَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ إذَا هَلَكَتْ عِنْدَهُ، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى شَرِيكِهِ شَرِكَةَ عِنَانٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ أَوْ إلَى عَبْدٍ لَهُ مَأْذُونٍ فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَحْفَظُونَ أَمْوَالَهُ فَيَدُهُمْ كَيَدِهِ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ أَوْ أَوْدَعَهَا ضَمِنَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِيَدِهِ لَا بِيَدِ غَيْرِهِ وَالْأَيْدِي تَخْتَلِفُ فِي الْأَمَانَةِ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ غَيْرَهُ وَالْوَضْعُ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ إيدَاعٌ إلَّا إذَا اسْتَأْجَرَ الْحِرْزَ فَيَكُونُ حَافِظًا بِحِرْزِ نَفْسِهِ وَقَوْلُهُ فَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ يَعْنِي بِأُجْرَةٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ أَوْ أَوْدَعَهَا يَعْنِي بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَإِنْ أَوْدَعَهَا فَضَاعَتْ فِي يَدِ الثَّانِي فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ وَظَهَرَ أَنَّهُ أَوْدَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ لَهُمَا أَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِأَمَانَةِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ

مُتَعَدِّيًا بِالتَّسْلِيمِ وَالثَّانِي مُتَعَدِّيًا بِالْقَبْضِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قَبْضَ الثَّانِي قَبْضُ الْأَوَّلِ وَإِذَا تَعَلَّقَ الضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ بِهَذَا الْقَبْضِ لَمْ يَجِبْ بِهِ ضَمَانٌ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ عَلَى اثْنَيْنِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا الثَّانِي ضَمِنَ إجْمَاعًا وَيَكُونُ صَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِيَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ رَجَعَ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ مُودِعَ الْغَاصِبِ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ قَبْضَيْنِ مَضْمُونَيْنِ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُودَعِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُودَعَ وَيَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَكَذَا إذَا غَصَبَ مِنْ الْغَاصِبِ غَاصِبٌ آخَرُ فَهَلَكَتْ عِنْدَ الثَّانِي فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ وَهُوَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِرُّ حَاصِلُ الضَّمَانِ عَلَى الثَّانِي‏.‏

وَكَذَا إذَا وَهَبَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ أَوْ أَعَارَهَا فَهَلَكَتْ عِنْدَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ هُنَاكَ قَبْضَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ وَالْمُسْتَعِيرَ يَقْبِضَانِ لِأَنْفُسِهِمَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَبْضِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ فِي تَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَمَنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ضَمِنَهَا إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ إنْ قَبَضَهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ضَمِنَ أَيْضًا إجْمَاعًا، وَإِنْ قَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ أَوْدَعَهُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ ضَمِنَ إجْمَاعًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ عَادَتِهِ تَضْيِيعُ الْأَمْوَالِ

فَإِذَا سَلَّمَ إلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِهَذِهِ الْعَادَةِ فَكَأَنَّهُ رَضِيَ بِإِتْلَافِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَضْمِينُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الصِّبْيَانِ فَيَضْمَنُهُ وَتَكُونُ قِيمَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَانَ أَرْشُهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَإِنْ أَوْدَعَ عِنْدَ عَبْدٍ وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا إنْ كَانَ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا وَقَبَضَهَا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ ضَمِنَهَا إجْمَاعًا وَتَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَى بَعْدِ الْعِتْقِ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا وَقَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ لَمْ يَضْمَنْهَا فِي الْحَالِ وَيَضْمَنُهَا بَعْدَ الْعِتْقِ إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُهَا فِي الْحَالِ وَيُبَاعُ فِيهَا قَوْلُهُ ‏(‏إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي دَارِهِ حَرِيقٌ فَيُسَلِّمَهَا إلَى جَارِهِ أَوْ تَكُونَ فِي سَفِينَةِ فَخَافَ الْغَرَقَ فَيَنْقُلُهَا إلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى لَمْ يَضْمَنْ‏)‏؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْحِفْظِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيَرْتَضِيهِ الْمَالِكُ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ضَرُورَةَ مُسْقِطِهِ لِلضَّمَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى الْإِذْنَ فِي الْإِيدَاعِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ إذَا وَقَعَ فِي دَارِهِ حَرِيقٌ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى بَعْضِ عِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ ضَمِنَ وَشَرَطَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي الْحَرِيقِ الْغَالِبِ أَنْ يُحِيطَ الْوَدِيعَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ضَمِنَ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ خَلَطَهَا الْمُودَعُ بِمَالِهِ حَتَّى صَارَتْ لَا تَتَمَيَّزُ ضَمِنَهَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ ثُمَّ لَا سَبِيلَ لِلْمُودَعِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا خَلَطَهَا بِجِنْسِهَا صَارَتْ شَرِكَةً إنْ شَاءَ، مِثْلُ أَنْ يَخْلِطَ الدَّرَاهِمَ الْبِيضَ بِالْبِيضِ أَوْ السُّودَ بِالسُّودِ أَوْ الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ لَهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى غَيْرِ حَقِّهِ صُورَةً وَأَمْكَنَهُ مَعْنًى بِالْقِسْمَةِ فَكَانَ اسْتِهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَهُ أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْخَالِطَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمَخْلُوطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي الدَّيْنِ، وَقَدْ سَقَطَ وَعِنْدَهُمَا بِالْإِبْرَاءِ سَقَطَ خِيرَةُ الضَّمَانِ فَتَتَعَيَّنُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَخْلُوطِ وَخَلْطُ الْخَلِّ بِالزَّيْتِ وَكُلُّ مَانِعٍ بِغَيْرِ جِنْسِهِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ إلَى الضَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا خَلْطُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَخْلُو مِنْ حَبَّاتِ الْآخَرِ فَيَتَعَذَّرُ التَّمْيِيزُ وَالْقِسْمَةُ، وَلَوْ خُلِطَ الْمَائِعُ بِجِنْسِهِ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ إلَى الضَّمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُجْعَلُ الْأَقَلُّ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ شَرِكَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَقَدْ قَالُوا لَا يَسَعُ الْخَالِطَ أَكْلُهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مِثْلَهُ إلَى صَاحِبِهِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ وَجْهٍ مَحْظُورٍ‏.‏

وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهَا فَحَبَسَهَا عَنْهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا ضَمِنَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَبَهَا فَقَدْ عَزَلَهُ عَنْ الْحِفْظِ فَإِذَا مَسَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ غَاصِبًا مَانِعًا لَهُ فَيَضْمَنُهَا لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا بِالْمَنْعِ‏.‏

وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَسْلِيمِهَا بِأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ نَاءٍ أَيْ بَعِيدٍ لَا يَقْدِرُ فِي الْحَالِ عَلَى رَدِّهَا لَا يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الرَّدِّ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِمَالِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَهُوَ شَرِيكٌ لِصَاحِبِهَا‏)‏ كَمَا إذَا انْشَقَّ الْكِيسَانِ فَاخْتَلَطَا لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُودَعُ بَعْضَهَا ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهُ فَخَلَطَهُ بِالْبَاقِي ضَمِنَ الْجَمِيعَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ مُتْلِفًا لَهَا بِإِنْفَاقِ بَعْضِهَا وَخَلْطِ بَاقِيهَا بِمَالِهِ لِأَنَّ الْمِثْلَ الَّذِي دَفَعَهُ هُوَ مَالُهُ وَالْخَلْطُ بِمَعْنَى الِاسْتِهْلَاكِ وَإِنْ أَخَذَ بَعْضَهَا لِنَفَقَتِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَدَّهُ وَوَضَعَهُ فِي مَوْضِعِهِ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ لَا تُوجِبُ الضَّمَانَ، وَقَوْلُهُ فَخَلَطَهُ بِالْبَاقِي إنَّمَا ذُكِرَ الْخَلْطُ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا هَلَكَ الْبَاقِي قَبْلَ الْخَلْطِ فَإِنَّهُ يَهْلَكُ أَمَانَةً أَمَّا إذَا خَلَطَهُ بِالْبَاقِي صَارَ مُتَعَدِّيًا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا تَعَدَّى الْمُودَعُ فِي الْوَدِيعَةِ بِأَنْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا أَوْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ وَرَدَّهَا إلَى يَدِهِ زَالَ الضَّمَانُ‏)‏ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَدِيعَةِ ارْتَفَعَ حِينَ صَارَ ضَامِنًا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ وَلَنَا أَنَّ أَمْرَهُ بِالْحِفْظِ عَامٌ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمْرُ لَا يَبْطُلُ بِالتَّعَدِّي بِدَلَالَةِ أَنَّ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَشَجَّهُ الْوَكِيلُ شَجَّةً أَوْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً ثُمَّ بَاعَهُ صَحَّ بَيْعُهُ بِالْأَمْرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الرُّكُوبُ وَالِاسْتِخْدَامُ وَاللُّبْسُ لَمْ يَنْقُصْهَا أَمَّا إذَا نَقَصَهَا ضَمِنَهَا‏.‏

وَأَمَّا الْمُسْتَعِيرُ إذَا تَعَدَّى ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ لَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهَا فَجَحَدَهُ إيَّاهَا ضَمِنَهَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَالَبَهُ بِالرَّدِّ فَقَدْ عَزَلَهُ عَنْ الْحِفْظِ فَبَعْدَ ذَلِكَ هُوَ بِالْإِمْسَاكِ غَاصِبٌ مَانِعٌ فَيَضْمَنُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ جَحَدَهَا عِنْدَ غَيْرِ الْمَالِكِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ جَحَدَهَا بِحَضْرَةِ الْمُودِعِ أَوْ بِحَضْرَةِ وَكِيلِهِ ضَمِنَهَا وَإِنْ جَحَدَهَا عِنْدَ غَيْرِهَا لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُخْفِي وَدِيعَتَهُ فَجُحُودُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ طَمَعٍ لَفَقِيرَيْنِ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ عَادَ إلَى الِاعْتِرَافِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَحَدَهَا حُكِمَ لَهُ فِيهَا بِالْمِلْكِ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَهُ فَإِذَا اعْتَرَفَ بِهِ لِغَيْرِهِ بَعْدَ هَلَاكِهِ لَزِمَهُ ضَمَانٌ، وَإِنْ طَلَبَ الْوَدِيعَةَ صَاحِبُهَا، فَقَالَ الْمُودَعُ قُمْت فَنَسِيتهَا فَضَاعَتْ ضَمِنَ، وَإِنْ قَالَ سَقَطَتْ مِنِّي لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ قَالَ أَسْقَطْتهَا ضَمِنَ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ هَذَا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا أَمَّا إذَا كَانَ مَخُوفًا يَضْمَنُ إجْمَاعًا، وَكَذَا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَنَهَاهُ صَاحِبُهَا عَنْ السَّفَرِ بِهَا فَسَافَرَ بِهَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ فِي الْمِصْرِ أَبْلَغُ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ قَصَدَ السُّلْطَانُ أَخْذَهَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَمْ يُسَافِرْ بِهَا فَإِنْ سَافَرَ بِهَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَالِكَ أُجْرَةُ النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إطْلَاقُ الْأَمْرِ بِالْحِفْظِ لِلْفَقِيرَيْنِ مَحَلٌّ لِلْحِفْظِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَلْتَزِمُ الْوَدِيعَةَ لِيَتْرُكَ أَشْغَالَهُ وَالسَّفَرُ مِنْ أَشْغَالِهِ فَلَا تَمْنَعُهُ الْوَدِيعَةُ مِنْ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ لَا يَضْمَنُ الْمُودَعَ بِالْمُسَافَرَهْ عِنْدَ انْعِدَامَ النَّهْيِ وَالْمُخَاطَرَهْ وَيَجْعَلَانِ هَذِهِ مَضْمُونَهْ فِي كُلِّ مَا لِحَمْلِهِ مُؤَنَهْ قَيَّدَ بِانْعِدَامِ النَّهْيِ وَالْمُخَاطَرَةِ لِأَنَّهُ إذَا نَهَاهُ فَخَرَجَ بِهَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا، وَكَذَا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا‏.‏

وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حِمْلٌ وَلَا مُؤْنَةٌ لَا يَضْمَنُ بِالْمُسَافَرَةِ إجْمَاعًا وَاَلَّذِي لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ هُوَ مَا كَانَ يَحْتَاجُ فِي حَمْلِهِ إلَى ظَهْرٍ أَوْ أُجْرَةِ حَمَّالٍ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا أَوْدَعَ رَجُلَانِ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً ثُمَّ حَضَرَ أَحَدُهُمَا يَطْلُبُ نَصِيبَهُ مِنْهَا لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَدْفَعُ إلَيْهِ نَصِيبَهُ‏)‏ وَالْخِلَافُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَهُمَا أَنَّهُ طَالَبَهُ بِدَفْعِ نَصِيبِهِ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَلِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ مَا سَلَّمَ إلَيْهِ وَهُوَ النِّصْفُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِدَفْعِ نَصِيبِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِالْمُفْرَزِ وَحَقِّهِ فِي الْمُشَاعِ، وَالْمُفْرَزُ الْمُعَيَّنُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَقَّيْنِ وَلَا يَتَمَيَّزُ حَقُّهُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ شَيْئًا مِمَّا يُقْسَمُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَهُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَلَكِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِهِ وَيَحْفَظُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ جَازَ أَنْ يَحْفَظَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ‏)‏ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَحْفَظَ بِإِذْنِ الْآخَرِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْآخَرِ كَمَا فِي مَا لَا يُقْسَمُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَضِيَ بِحِفْظِهِمَا وَلَمْ يَرْضَ بِحِفْظِ أَحَدِهِمَا فَوَقَعَ التَّسْلِيمُ إلَى الْآخَرِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ الدَّافِعُ وَلَا يَضْمَنُ الْقَابِضُ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْمُودَعِ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا قَالَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ لَا تُسَلِّمْهَا إلَى زَوْجَتِك فَسَلَّمَهَا إلَيْهَا لَمْ يَضْمَنْ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَنَهْيُهُ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا إذَا قَالَ لَا تَحْفَظْهَا بِنَفْسِك وَلَا فِي صُنْدُوقِك، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ سِوَى الَّتِي نَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَيْهَا الْوَدِيعَةُ مِمَّا تُحْفَظُ عَلَى أَيْدِي النِّسَاءِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ قَالَ لَهُ احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ فَحَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ لَمْ يَضْمَنْ‏)‏؛ لِأَنَّ الْبَيْتَيْنِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الْحِرْزِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَيْتُ الَّذِي حَفِظَهَا فِيهِ أَنْقَصَ حِرْزًا مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي أَمَرَهُ بِالْحِفْظِ فِيهِ، أَمَّا إذَا كَانَ الْبَيْتُ الثَّانِي أَحْرَزَ ضَمِنَ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ حَفِظَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى ضَمِنَ‏)‏؛ لِأَنَّ حُكْمَ الدَّارَيْنِ مُخْتَلِفٌ فِي الْحِرْزِ وَالْحِفْظِ‏.‏

وَأَمَّا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْحِرْزِ أَوْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ أَحْرَزَ لَا يَضْمَنُ‏.‏

‏(‏مَسَائِلُ‏)‏ الْمُودَعُ إذَا وَضَعَ الْوَدِيعَةَ فِي الدَّارِ فَخَرَجَ وَالْبَابُ مَفْتُوحٌ فَجَاءَ سَارِقٌ فَأَخَذَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَضْيِيعٌ‏.‏

الدَّابَّةُ الْوَدِيعَةُ إذَا أَصَابَهَا مَرَضٌ أَوْ جُرْحٌ فَأَمَرَ الْمُودَعُ إنْسَانًا يُعَالِجُهَا فَعَطِبَتْ فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُودَعَ أَوْ الْمُعَالِجَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُودَعَ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُعَالِجَ إنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ أَوْ ظَنَّهَا لَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ‏.‏

الْمُودَعُ إذَا خَافَ عَلَى الْوَدِيعَةِ الْفَسَادَ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ رَفَعَ أَمْرَهَا إلَيْهِ وَاسْتَأْذَنَهُ فِي بَيْعِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ بَاعَهَا وَضَمِنَهَا وَحَفِظَ ثَمَنَهَا لِصَاحِبِهَا وَعَلَى هَذَا اللُّقَطَةُ‏.‏

رَجُلٌ غَابَ عَنْ مَنْزِلِهِ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ فِيهِ وَفِيهِ وَدِيعَةٌ فَلَمَّا رَجَعَ لَمْ يَجِدْ الْوَدِيعَةَ إنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ أَمِينَةً لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ أَمِينَةٍ ضَمِنَ‏.‏

قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ سُوقِيٌّ قَامَ مِنْ حَانُوتِهِ إلَى الصَّلَاةِ وَفِيهِ وَدَائِعُ لِلنَّاسِ فَضَاعَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَيِّعٌ لِمَا فِي حَانُوتِهِ؛ لِأَنَّ جِيرَانَهُ يَحْفَظُونَهُ‏.‏

رَجُلٌ دَفَعَ إلَى آخَرَ شَيْئًا لِيَنْثُرَهُ فِي عُرْسٍ إنْ كَانَ دَرَاهِمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ وَلَا لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ لِيَنْثُرَهُ، وَلَوْ نَثَرَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ سُكَّرًا لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ لِيَنْثُرَهُ وَلَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ مِنْهُ شَيْئًا لِنَفْسِهِ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ‏.‏

رَجُلٌ أَوْدَعَ رَجُلًا زِنْبِيلًا فِيهِ آلَاتُ النَّجَّارِينَ ثُمَّ جَاءَ يَسْتَرِدُّهُ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ فِيهِ قَدُومًا فَذَهَبَتْ مِنْهُ، وَقَالَ الْمُودَعُ قَبَضْت مِنْك الزِّنْبِيلَ وَلَا أَدْرِي مَا فِيهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ قَالُوا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ صُنْعًا، وَكَذَا إذَا أَوْدَعَ دَرَاهِمَ فِي كِيسٍ وَلَمْ يَزِنْهَا عَلَى الْمُودَعِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الْفِعْلَ وَهُوَ التَّضْيِيعُ أَوْ الْخِيَانَةُ‏.‏

الْمُودَعُ إذَا قَالَ ذَهَبَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ مَنْزِلِي وَلَمْ يَذْهَبْ مِنْ مَالِي شَيْءٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ خِلَافًا لِمَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ‏.‏

غَرِيبٌ مَاتَ فِي دَارِ رَجُلٍ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ وَخَلَّفَ شَيْئًا يَسِيرًا يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَنَحْوَهَا وَصَاحِبُ الدَّارِ فَقِيرٌ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى اللُّقَطَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏